أصبحت العوامل الاقتصادية التي تحكم الأسواق العالمية أكثر تشابكاً من ذي قبل، وتلك الحالة هي النتيجة الطبيعية للحجم الكبير من المُتغيرات السياسية والمالية والجيوسياسية التي يشهدها العالم منذ ما يقرب من أربع أعوم مضت، وربما رسم المستثمرون والمُضاربون والمحللون طريقاً، وجاء الواقع مُغايراً تمامًا نحو طريق أخر، وهذا ما شهدته وترجمته أسعار النفط مُؤخراً، فرغم البيانات التي أكدت تراجع المخزونات الأمريكية من الخام، ورغم تزايد المخاوف السياسية والجيوسياسية المتعلقة بالأساس بتوترات منطقة الخليج، وتحديداً بعد التحرشات شبه العسكرية بين طهران وواشنطن بمنطقة الطاقة الأولى بالعالم، رغم كل هذا تراجع النفط في أخر جلسات التداول بمعدل 1% أمس الأربعاء .. ويبقى السؤال لماذا؟!
أكد جميع المُراقبون، أن رغم توافر كل العوامل التي تدفع أسعار النفط نحو ارتفاع تاريخي كبير، إلا أن هذا لم يحدث بالشكل المطلوب، ولو حدثت زيادة بأسعار النفط من هنا أو هناك، فتكون دائما على استحياء، وأرجع مُراقبي حركة الأسواق العالمية خاصة النفط ذلك، للتخوفات التي تتزايد يوماً بعد يوم، وتترجمها وتؤكد عليها جميع تقارير المؤسسات المالية العالمية من تباطؤ شديد بمعدلات النمو العالمية جراء الحرب التجارية التي لا تهدأ بين الاقتصاديات الكُبرى، وليس الأمر يتعلق فقط بواشنطن وبكين، بل أضف لذلك تهديدات المفوضية الأوروبية مؤخراً بفرض رسوم قد تصل إلى 39 مليار دولار كاملة على الواردات الأمريكية، إن طبقت واشنطن ما هددت بيه من رسوم على السيارات الأوروبية بالسوق الأمريكية.
هي حالة من التخوف يؤكدها الواقع، أن النمو العالمي يتراجع، ومن ثم سيقل الطلب على النفط حتماً، فأوروبا والصين هي الأسواق الأكثر تعطشاً للنفط تُعاني من تراجعاتٍ بالنمو الصناعي، تحت تأثير رسوم جمركية مُتبادلة مع الولايات المتحدة، وخروج بريطانيا شبه المحسوم من الاتحاد الأوروبي، كل هذا جعل من تراجع أسعار النفط واقع رغم انخفاض مخزون الخام الأمريكي بمعدل 10.8 مليون برميل في أسبوع واحد، ورغم تزايد التوتر بمنطقة الخليج وتصاعد المخاوف الجيوسياسية بشأن تلك المنطقة، فيبدو أن توقعات تباطؤ شديد بالنمو يقلل من الطلب على النفط طغى على تأثير كل تلك العوامل، والتي من المُفترض لها أن ترفع سعر النفط ولكن واقع التأثيرات الأخرى كان أقوى.