ارتباط الاقتصاد بكل أركانه بالسياسة ليس وليد العصر بل هي قاعدة مُترسخة منذ قديم الأذل، ولكن مع وصول الرئيس الحالي للولايات المتحدة دونالد ترامب للسلطة زاد ارتباط الحركة الاقتصادية العالمية بالقرارات السياسية للولايات المتحدة، وهذا راجع إلا أن الإدارة الأمريكية ترى تفوقها وتحقيق كافة أهداف برنامجها الاقتصادي عن طريق الأداة المالية المُرتكزة على القوة الاقتصادية للولايات المتحدة، وأول ما فعلته إدارة ترامب في هذا السياق هو الاصطدام المباشر بالعملاق الاقتصادي المنافس الصين، وكان لذلك تأثرات عديدة على الاقتصاد العالمي بلورته التجربة تحت مُسمى “الحرب التجارية العالمية” وبات الاقتصاد بعناصره الثلاثة الهامة الدولار والأسهم والذهب رهينة لتلك الصراعات التجارية، ثم جاء مؤخراً اتفاق الولايات المتحدة بقيادة ترامب مع الصين فيما وصف بأنه اتفاق تجاري جزئي ليُلقي بظلاله مُجدداً على أهم ما يتأثر ويؤثر في حياة الناس ونعني بهم الدولار والذهب والأسهم.. فما هي توقعات الفترة المتمثلة في الربع الأخير من 2019 وبداية 2020 لأسعار الدولار وأسعار الأسهم وأسعار الذهب بعد هذا الاتفاق الجزئي التجاري بين واشنطن وبكين.
تأثير الاتفاق التجاري الجزئي بين واشنطن وبكين على أسعار الدولار والأسهم والذهب
بداية لك أن تتفهم، أن وصف الاتفاق التجاري الأخير بين الولايات المُتحدة والصين بالجزئي لم يأتي على سبيل التعبير الصحفي والإعلامي الأصم، بل له مبرره حيث أنه عملياً ليس اتفاق كامل بل ارتكز فقط على المنتجات الزراعية مُتطرقاً لبعض الجوانب التي تخص الملكية الفكرية للمنتجات الصناعية وغيرها، وربما هذا ما دفع الرئيس الأمريكي وبصراحته المعهودة أن يؤكد أنه رغم النجاح المبهر للاتفاق والذي شكر عليه الصين، وجاء على إثره وقف تهديدات واشنطن ولو مؤقتاً بفرض رسوم تجارية على بكين، إلا أنه وحسب تصريحات ترامب هناك العديد من الجوانب التي هي بحاجة لاتفاقات أخرى، ولكن ما يهمنا ويعنينا بالمقام الأول هو كيف سيكون التأثير المباشر لاتفاق التجارة الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين على السعر العالمي للدولار والسعر العالمي للذهب ثم تأثيره على الأسهم الأمريكية ومن ثم النمو التجاري العالمي.
ما هو تأثير اتفاق التجارة الجزئي على أسعار الدولار والأسهم
بداية ان توقعات التوتر الدائم بين اكبر اقتصاديين عالميين الاقتصاد الأمريكي والصيني أتى بالسلب على توقعات النمو التجاري والصناعي عالمياً، وربما هذا ما بررته النتائج التي أكدت أن الصين خلال سبتمبر 2019 حققت أسوء مُعدل للصادرات والواردات على الإطلاق وصف بأنه مُعدل غير متوقع، ولكن جاء الاتفاق الأخير الذي بالتأكيد سوف يُنعش المنتجات الزراعية الأمريكية ومن ثم كافة الصناعات المرتبطة بيها بالولايات المُتحدة، هذا فضلاً عن انحسار المخاوف حتى ولو مؤقتاً من رسوم تجارية جديدة على واردات الصين للولايات المتحدة، هذا بالفعل صب في صالح توقعات أكثر ايجابية للنمو التجاري خلال الأشهر القادمة ومن ثم تعافت بالفعل الأسهم سواء الأمريكية أو العالمية.
ولكن ماذا عن أسعار الدولار، حقيقة إن السعر العالمي للدولار ليس متروكاً بالكلية لآليات السوق وما يتعلق بيها من مؤثرات على سعر العُملة الأمريكية وفي مُقدمتها الأسهم الأمريكية، التي من المُفترض إن تعافت وارتفعت ارتفع معها سعر الدولار، لماذا؟! لأن هناك توجه جاء وحماسي من قبل إدارة ترامب على إضعاف قيمة الدولار مقابل سلة العُملات بالضغط على الفيدرالي الأمريكي لتقليل الفائدة، وُمبرر تلك السياسة المالية هو إعطاء العُملة الأمريكية ميزة نسبية وتفضيلية على العُملات الأخرى لإنعاش الصادرات الأمريكية خاصة مع التوسع الأخير في التصدير الزراعي للصين، وحتى نكن مُنصفين هذة السياسة ليست حكراً على توجه ترامب بل بالفعل بدء كل من المركزي الياباني والأوروبي والصيني انتهاجها تجاه عملاتهم لتشجيع الصادرات في ظل ركود عالمي.. وعليه ليس من المتوقع ارتفاع كبير للدولار بعد هذا الاتفاق التجاري الجزئي بين الصين والولايات المُتحدة.
تأثير اتفاق التجارة الجزئي على أسعار الذهب
إن كنا نُسلم بفرضية أن تهدئة الأجواء المؤقت تجارياً بين الصين والولايات المُتحدة سوف يساهم في كبح جماح ارتفاع أسعار الذهب إلا أن واقع الاقتصاد العالمي من ترنح النمو التجاري وعدم ثبات رؤيته، وتوترات سوق النفط الدولية، والتوجه الثابت نحو دولار ضعيف، كل هذا لا يُنبأ عن تراجع كبير بسعر الذهب أو بمعنى أكثر دقة لن يقود الذهب إلى خسائر أو تهاوي سعري لأن جميع العوامل لا تضع المعدن الأصفر في مربع توقع التراجع لصالح الأوعية الاستثمارية الأخرى وفي المقدمة منها الأسهم والدولار.