أسعار الذهب عالمياً، تشهد مُنذ ما يقرب من ثلاثين يوماً مُتتابعة حالة من التأرجح العميق في الأسعار بشكل شبه يومي، فمن الصعود الكبير إلى الهبوط المُفاجئ تقبع معدلات أسعار الذهب يومياً وسط حالة من التشكك وعدم الثبات، بل ونستطيع أن نؤكد أن هناك هِستريا بيع وشراء تنتاب بورصات الذهب العالمية تارة تحت تأثير الرغبة الجامحة في سرعة جني الأرباح من قبل المضاربين المتشككين أصلاً من احتمالية هبوط الذهب فور صعوده، وهذا ما يدفعهم دائماً إلى البيع السريع وذلك السلوك عزز كثيراً من حالة الاضطراب التي تنتاب أسعار المعدن الأصفر بشكلٍ كبير ومتواصل، وتارة أخرى تحت تأثير العوامل الطبيعية المُتعلقة بالعرض والطلب أو إنتاج الذهب في حد ذاته.
ولكن ومن واقع متابعة أخبار الذهب يومياً، الجزم بأن التأرجح والاضطراب الحادث بأسعار المعدن النفيس حالياً، هو نتيجة سلوكيات المُضاربين على الأسعار أو بمعنى أدق ينحصر عند رغبة المضاربين والمستثمرين في البيع السريع لجني الأرباح ومن ثم دفع الذهب سريعاً نحو الهبوط بعد الصعود، هو تحليل قاصر لا يستند لأسس الواقع الحاكمة للأسواق العالمية للذهب.
فيجب أن نعلم، أن ما أصاب أسواق وأسعار الذهب من تفاوت في معدلات الأسعار على مدار الأيام الماضية هو أمر متوقع جداً ومنطقي للغاية إذا ما تم ربطه بالمؤثرات الفعلية والحقيقية التي تؤثر على الاقتصاد العالمي ككل وليس فقط أسواق الذهب.
والحديث عن تلك المُؤثرات تحديداً يتعلق بالدولار والنفط، فالجميع ينتظر جلسة الاحتياطي الفيدرالي نهاية شهر يوليو، والذي سيتحدد من خلالها أسعار الفائدة الأمريكية على المدى القصير، والمُتحكمة بشكلٍ كبير في أسعار الدولار، وفي حقيقة الأمر أن الفيدرالي الأمريكي يُتقن لعبة “القط والفار” في التصريحات الخاصة بمعدلات الفائدة، فتارة يؤكد بطريق غير مباشر أن السياسة العامة للفيدرالي هي التوجه نحو خفض الفائدة ومن ثم انهيار متوقع بسعر الدولار وهذا يرفع من سعر الذهب، وتارة أخرى يُلمح بان التوجه لم يُحسم بعد بشأن معدلات الفائدة المتوقعة فيعاود الدولار تعافيه ضاغطاً على أسعار الذهب.
ثم يأتي العامل الأخر الهام والذي يرتبط كثيراً بأسعار الذهب ألا وهو النفط، فكلما زاد سعر النفط زادت معه أسعار الذهب والعكس بالعكس، وأسواق النفط هي الأخرى ينتبها حالة من الاضطراب نتيجة التشكك في معدلات النمو الاقتصادية العالمية المتوقعة والتي يتوقع لها التراجع مما يقلل من احتمالية ارتفاع سعر النفط، وأضف لذلك توترات الشرق الأوسط ومنطقة الخليج التي تدفع النفط للصعود، وبين هذا وذاك ينتظر الذهب حائراً.
تلك الضبابية بالأسواق العالمية، سواء سوق أسعار العُملات وفي مقدمتها الدولار، أو سوق النفط العالمية وما يرتبط بيها من عوامل مؤثرة، جعلت المُضاربين والمستثمرين في أسعار الذهب في حالة تشكك يوميه، انعكست بدورها بشكل كبير على أسعار الذهب العالمية وجعلتها في حالة تأرجح مُستمر لا يستقر.