هل يستمر وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران برعاية ترامب، هذا التساؤل هو الآن محور الاهتمام الأول ليس فقط بمنطقة الشرق الأوسط التي عانت من ويلات تلك المواجهة على مدار 12 يوم مستمرة سبقها توترات متلاحقة منذ أحداث السابع من أكتوبر في غزة.. بل محور التساؤل والاهتمام بالعالم أجمع الذي ينظر لمنطقة الشرق الأوسط كشريان التجارة الدولية الذي لا يمكن التفكير أو تخيل مجرد توقفه.
والسؤال المحوري هنا، هل الاتفاق الأخير بين إسرائيل وإيران بوقف إطلاق النار بينهما سوف يُكتب له الحياة، أم أن فرص النجاة ليست متوفرة، الإجابة ببساطة أن هذا الاتفاق ولد ميتاً في مهد الأحلام الترامبية السينمائية التي لا مكان لها في عالم الواقعية السياسية.
لماذا لن يستمر الاتفاق بوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل
اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين إيران وإسرائيل تجتمع عليه عوامل النهاية أكثر من مقومات الاستمرار والحياة، فلا يمكن القول إلا أن هذا الاتفاق ولد لغرض واحد ووحيد وهو أن يُقال “أن هذا هو ذا ترامب رجل السلام”.
تلك الحقيقة التي سوف تكتشفها وبوضوح عندما نستعرض معاً الأسباب والعوامل التي سوف تؤدي لفشل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران بأسرع مما نتوقع.
هو اتفاق سينمائي درامي لا يمت لقواعد السياسة بصلة
الاتفاق بين إيران وإسرائيل بُني بشكل أساسي لكي يحصل منه ترامب على بطولة سينمائية يبدو فيها بأنه البطل الأسطوري الذي يحمل في يد السيف القاطع وفي الأخرى حلول السلام الحاسمة، فالرجل يحلم دوماً بأن تتوج جهوده في إحلال السلام بالعالم والتي ربما لا يراها إلا ترامب نفسه فقط لكي يحصل على جائزة نوبل للسلام.
وبنفس الطريقة التي لا تخلو من إستراتيجية وضع التراب على الجرح الملتهب أنهى صراع دامي بين طهران وتل أبيب كما سبق وأن فعلها منذ أسابيع بين باكستان والهند .. ولم يفطن ترامب سواء في الملف الهندي الباكستاني أو الإسرائيلي الإيراني أن الصراع توقف لسبب واحد.. هي استراحة محارب لأن كلا الطرفين قد أنهك من الصراع مع الأخر، فتلك الصراعات بين قوى متكافئة بشكل كبير حتى بات كل طرف يدرك الآن أن التوقف ولو مؤقتاً خياراً جيداً حتى لا يفقد زراعيه.. والدليل هو الفشل الواضح لترامب في وقف إطلاق نار فعلي حقيقي في غزة والسبب هنا أن كفاءة ترامب وحكمته وشجاعته التي يراها في نفسه لم تُجدي نفعاً في صراع أحد طرافه يملك قوة غاشمة والأخر لا يملك قوت يومه.
لم يحصل أي طرف على ما يريد
في فن الصفقات ولسخرية الأقدار لترامب نفسه كتاب منذ سنوات يُدعى “فن الصفقة” لكي يكن الاتفاق ناجح بين طرفين برعاية طرف ثالث أن يحصل كل طرف على جزء من المكاسب، وفي حالة الصراع الإيراني الإسرائيلي لم يحصل أي طرف على أي مكسب بعد صراع مرير لمدة 12 يوم.
فإسرائيل: لم تضمن وقف إيران لدعم أذرعها في لبنان والعراق واليمن، ولم تحصل على أي ضمانة بوقف خطر البرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني الذي أرق مضاجعها ولم تتأكد حتى بعد قصف منشأة فوردو النووية من قبل الولايات المتحدة أن برنامج إيران النووي قد أنتهي.
وإيران: لم تحصل علي أي ضمانة دولية أو إقليمية بل ولا حتى أمريكية بأن تل أبيب لن تعاود الهجوم جوياً أو استخباراتيا او كلايهما فالاتفاق المزعوم اشترط انتهاء وقف إطلاق النار ببند خرق أحد الطرفين له ولم يضع أي رادع لهذا الخرق، ومن ثم طهران تتوقع في كل لحظة نهاية حالة وقف إطلاق النار بضربة إسرائيلية جديدة موجعة لن تتورع إسرائيل عن تنفيذها وفق سوابقها التاريخية.
اتفاق هش بلا إطار زمني
ورغم هشاشة الاتفاق لم يتم وضع أي إطار زمني له بل رد ترامب على سؤال حول مدة هذا الاتفاق قائلاً أنه سيكون للأبد، تصور طفولي لاتفاق ضعيف بين طرفين ممتلئين بالغضب والصراع كل تجاه الأخر بأن السلام بينهما سيكون للأبد في الوقت الذي يجلس أي منهما مقابل الأخر على مائدة تفاوض أو حتى صافحه في مناسبة سياسية عابرة.
عدم وجود مظلة دولية أو إقليمية للاتفاق
حرص ترامب أن يتبوأ دور البطولة وحده دون شريك، جعله حريص أن يبدو أمام العالم أنه هو من يأمر فيطاع وأن الطرفين توقفا من أجله، هذا جعل ترامب حريص على تهميش أي دور إقليمي أو دولي بأن يكون راعي وضامن لهذا الاتفاق، فكيف لاتفاق أن ينجح والضامن له فقط كلمة الرئيس ترامب، دون قرار ملزم من مجلس الأمن أو رعاية روسية صينية تضمن التزام إيران أو تعهد تشريعي أمريكي يضمن التزام إسرائيل أو رؤية إقليمية غابت فيها دول مؤثر مثل تركيا ومصر والسعودية والإمارات عن هذا الاتفاق.
هل خدع ترامب العالم بهدنة إيران وإسرائيل| اتفاق هش بلا غطاء دولي
إن اتفاق ترامب ولد ليموت وتستغله كل أطراف الصراع لتكسب مزيد من الوقت لتُعيد تقييم الموقف العسكري وسد الثغرات ثم معاودة الصراع مجدداً في وقت ربما يكون أقرب مما تصوره ترامب نفسه، ليتورط العالم في صراع بالشرق الأوسط أشد وطأة من حرب 12 يوم المنتهي بقرار ترامب.. وربما يكن الصراع المنتظر هذة المرة بتدخلات دولية أعمق سوف ترى أن الولايات المتحدة لم تعد كفء أن تدير صراعات دولية وهي تتحرك بعقلية الفرد التاجر الذي فشل حتى فيما طالما أذاع أنه يتقنه “وهو فن الصفقة”.