تتجه المنظومة العامة في مصر بتكامل شديد الدقة لإصلاح شامل لكافة أوجه الحياة المالية والاقتصادية بالمشهد المصري، وربما كانت بعض القرارات قاسية لكنها في النهاية تقود لمنظومة من الإصلاح المستقبلي تُساعد في وضع المسار المالي والاقتصادي المصري على الطريق الصحيح، وكانت أولى تلك القرارات الاقتصادية هو قرار الدولة منذ ما يقرب من أربعة أعوام تحرير سعر صرف الجنيه المصري مُقابل كافة العملات الأخرى، وهذا القرار رفع فعلياً من مستويات الأسعار كافة بالسوق المصرية، وكان له تأثير شديد على مستوى معيشة المصريين، ولكن كان لهذا الإجراء ما يُبرره لوضع النظام المالي في مصر وفق الإطار السليم الذي يساهم في إصلاح منظومة النمو المستدام لينتهي في صالح المواطن، وبالفعل استقر الوضع رغم تعويم العملة وبات الدولار متراجعاً أمام الجنيه المصري من بداية هذا العام، ليعقبه ملمح هام أخر وهو تراجع فعلي وواقعي في أسعار السلع والخدمات بالأسواق المصرية.
وفي خضم تلك النتائج الإيجابية يأتي قرار جديد أثار مخاوف الكثيرون وترقب البعض، وهو قرار وزارة المالية في مصر بتحرير الدولار الجمركي، أو إلغاء الدولار الجمركي بمعنى أكثر دقة، وترك رسوم الجمارك وتكاليف عملية الاستيراد لكافة السلع من الخارج تسير وفق تقيم السوق المالية لأسعار العملات الفعلية بالبنوك لحظة بلحظة ويوم بيوم، بعدما كان الأمر يسير وفق منظومة دولار جمركي مُحدد من قبل الدولة سعره أقل من سعر الدولار الفعلي بالقطاع المصرفي كمساهمة من الدولة لمنع ارتفاع أسعار السلع الإستراتيجية في ظل وضع كان قائم بارتفاع مستمر للدولار مقابل الجنيه.
وبعد القرار القاضي ببداية إلغاء الدولار الجمركي من أول سبتمبر 2019 بمصر، ظل التساؤل الهام حول توقعات الأسعار داخل الأسواق المصرية جراء هذا القرار، وهل ستنخفض الأسعار أم سترتفع نتيجة قرار إلغاء الدولار الجمركي، وهنا أجمع الخبراء، أن قرار الإلغاء في حد ذاته جاء بسبب منطقي للغاية ومبرر وهو أن وجود الدولار الجمركي محدداً بسعر مُعين كما كان من قبل لم يعد له أي داعي، والسبب أن الدولار فعلياً أصبح يتراجع أمام الجنيه منذ فبراير الماضي، وبدأ الآن يستقر سعر صرف الدولار الأمريكي بالقطاع المالي المصري، ومن ثم بدأ سعر الدولار فعلياً بالسوق قريباً جداً من سعر الدولار الجمركي بل قد يحدث وأن يزيد الدولار الجمركي على السعر الفعلي للدولار.
ومن ثم ووفق تلك المُعطيات الجديدة، كان من المنطقي أن يعود تقييم تكاليف أسعار ورسوم الجمارك المستحقة على السلع المستوردة كافة من الخارج للسوق المصرية وفق لآليات السوق النقدي الآن وليس وفق آليات مُحددة سلفاً، ووفق هذا وما ترتب من استقرار سعر الدولار فعلياً بالقطاع النقدي بمصر لم يعد هناك حاجة ولم يعد هناك تأثير متوقع على الأسعار نتيجة إلغاء الدولار الجمركي، وأصبح الراسخ أن الأسعار بمصر 2019 لن تتأثر بقرار إلغاء الدولار الجمركي.